“انتفاضة لبنان”.. الفلسطيني مع أم ضد؟!
– كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
لن أنسى ذلك اللبناني الذي تعرفت عليه في الطائرة التي أقلعت من إسطنبول إلى بيروت، حدثني عن لبنان ولم يترك كلمة سوء إلا وقالها، عن أزمة الكهرباء والقمامة وغيرها مما يعيشه المواطن اللبناني من مصائب، حتى أنه قال لي: “صدقني من ثاني يوم ستغادر لبنان”، لكن حديثه لم يعجب صديقته التي انتفضت غضبا من كلامه، وأخذت تجمل ما قيل عن لبنان. مشاهد المتظاهرين في مختلف المدن اللبنانية التي انتفضت في وجه قرارات الحكومة اللبنانية بفرض ضرائب جديدة على اللبنانيين، دفعتني لإعادة تصفح كل التفاصيل واللحظات التي عشتها في زيارتي مؤخرا للبنان. زيارة سريعة وخاطفة بهدف دعم الحراك الشعبي الفلسطيني في المخيمات والرافض أيضا لقرارات وزارة العمل اللبنانية حول مطالبة الفلسطيني بلبنان بالحصول على إذن للعمل.
على الرغم من قلة الأيام إلا أن أسبوعا واحدا من العيش في لبنان وفي مخيم البرج الشمالي في مدينة صور جنوب لبنان، دفعني للتفكير مليا بتقديم طلب لجوء إلى بلد أخر، فكيف يكون حال من ولد وعاش في لبنان وبالأخص الفلسطينيين من سكان المخيمات. لا شك أن لبنان يعيش حالة اقتصادية وخدماتية مزرية للغاية، غلاء فاحش في مختلف المستويات مقابل بطالة مرتفعة في المجتمع اللبناني، ضعف في القطاع الصحي والخدماتي. أزمة “الزبالة” في لبنان التي علم بها القاصي والداني في هذه الأرض، وللأسف من يزور بيروت قادما من جنوب لبنان باتجاه العاصمة، لابد أن تكون رائحة القمامة في استقباله، حيث كنت أعرف أني وصلت بيروت قادما من صيدا مثلا من هذه الرائحة وكذلك عند العودة إني خرجت من بيروت، للأسف شيء محزن. كثر من اللبنانيين الذين صادفتهم في زيارتي والتقيت بهم للمرة الأولى، في غالبيتهم مع الهجرة خارج لبنان، فهم لا يرون في بلدهم الأم الرحيمة بأولادها.
هذا حال أهل البلد فكيف بالضيوف عليه من الفلسطينيين والسوريين، بكل تأكيد فإن الواقع أكثر مأساوية، فالمخيمات الفلسطينية في لبنان أشبه بالمعتقلات والسجون، ودخول أي شخص ليس من فلسطينيي لبنان إلى إحدى المخيمات الفلسطينية يحتاج تصريح من الجيش اللبناني. حقيقة القصص والمشاهد من داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان مرعبة، شباب عاطل عن العمل، تسرب دراسي مبكر، علاج صحي متدني، بيئة تحتية سيئة للغاية، فقر، انتشار مخيف للمقاهي في المخيمات، ضعف في خدمات وكالة الأونروا.
كل ذلك يشكل بيئة خصبة ودافعة لتهجير اللاجئ الفلسطيني في لبنان، وأكثر ما يتحدث به الشباب الفلسطيني في المخيمات هو الهجرة إلى أوروبا على الرغم من تكاليفها الباهظة وصعوبة الحصول على الإقامة في الدول الأوروبية بحكم انه لا يوجد خطر حقيقي يهدد اللاجئ الفلسطيني في لبنان. أمام كل هذه التحديات التي يعيشها الفلسطيني في لبنان، ويضاف لها معاناة اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا إلى لبنان، كانت قرارات وزارة العمل اللبنانية لتزيد الضغوط على الفلسطينيين في لبنان في تماهي واضح مع كافة المخططات التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة.
اليوم أمام حراك الشارع اللبناني المطالب بإسقاط الحكومة اللبنانية وقراراتها، هل يجد اللاجئ الفلسطيني في لبنان نفسه ملزما أن يقف إلى جانب شقيقه المواطن اللبناني في رد الظلم عنهما، أم أنه شأن لبناني داخلي وربما تكون له انعكاساته على الفلسطيني في لبنان فيكون هو الضحية. هل ستسقط قرارات وزير العمل اللبناني حول تصريح العمل للاجئ الفلسطيني في لبنان، هل سيعود اللاجئ الفلسطيني لاجئا كما كان قبل قرار الوزير كميل أبو سليمان، هل سيكون ذلك إذا نجح اللبنانيون في اسقاط حكومتهم، الساعات القادمة كفيلة بالإجابة.
ختاما لابد من تحية إعتزاز نبرقها لأبناء شعبنا في لبنان على مشاركتهم في إخماد الحرائق التي اندلعت في لبنان، والوقوف إلى جانب المتضررين من اللبنانيين جراء الحرائق، موقف يعكس الوفاء الفلسطيني للبنان، ولا أكثر من موقف مماثل ومطلب يضاف إلى الحراك الشعبي اللبناني بأنه حان الوقت لمنح اللاجئ الفلسطيني في لبنان حقوقه المدنية والإنسانية كاملة، فيكون الحق الفلسطيني من حناجر اللبنانيين.