غزوة ” تشويه” على الطريقة الفرنسية !
– أديبة وشاعرة فلسطينيّة
كان لهذا العالمِ المخبولِ حكيمه اللعين الذي يقول :
” يجوب الكذبُ الكرةَ الأرضيّةَ جيئةً وذَهابًا ، بينما لم تزل تَرْتَدي الحقيقَةُ حذاءَها ” ، ونحن في زمنٍ معتوهٍ يُصَدّق المجانين قبل الحكماء، والمنحرفين قبل الشرفاء ، و النسوان قبل أشرف النساء ، وأنصاف الرجال قبل الفرسان والعظماء ، فماذا تقول لزمن العبيد المناكيد ، الزمن المزيف ؟
ماذا تقول لكتبة التاريخ المشوه ؟
كيف تخض ضميرا أعمى و بصيرة مشوهة ، وعقلا ممغنطا ، يسجيب لاندلاع الكذب و فعالية سمّه ، بينما يتكاسل أمام وقار الحقائق ، و حكمة الهُوَيْنى ؟! ……… آخ !
قبل أشهر قليلة فقط ، و تحديدا أوائل حزيران 2020 ، قامت الدنيا ، ولم تقعد ، بسبب تغريدة لأشهر كاتبة على وجه الأرض ” جي .كي .رولنغ ” ، التي اختصت بالسرد الإبداعي لقصص السحر والشعوذة ، حين لمّحتْ إلى عدم إمكانية شرعنة العلاقات الغير طبيعية على الصعيد الطبي ، داعية قراءها لتقبل الحقيقة بعيدا عن الحساسية المفرطة والمبالغ بها ، فقول الحقيقة لا يعبر عن كراهية ، ولكن ما الذي حدث يا ترى ؟
هاج العالم …خرج من تحت ركام الفيروس …. حملة غوغاء ، من لجنة حقوق الإنسان ، مجتمعات الميم وأنصارها ، المنافقين والمجرمين وشعوب قوس قزح ، وكافة الفئات من أقطاب الكرة الأرضية ، شنوا غارات الكترونية لا آخر لها ، معنفين ، وشاتمين ، ومشوهين ، ضمن خطاب مشوب بالحقد والكراهية ، موغرين الصدور ، بشعاراتهم الجاهزة ، سلفا / لخوض هذه المشاحنات ،ثم ممارسة التصفية الالكترونية للشخصية ، وهي جريمة أقسى من تلك التي يتم فيها سفك الدماء!
شوف ازدواج الأحكام والحريات ، فكل شيء مسموح حين يتعلق الرأي بما هو رفيع ومقدس و سماوي ، ولكن يتحول بلمحة إلى محظورات ومحرمات تمس روح الحضارة و مبادئها ومناضليها، لا تعلم من أين يخرج مأجوجيو الشعارات ويأجوجيوها ، حتى كأن الأرض تخرج في أعماق أعماقها منذ عهد عاد ، حين يتعلق الأمر بالدفاع عن الانحراف أو التعدي على الخالق ، وأنبيائه ، أو كتبه السماوية ، أو حتى تجاوز القيم الاجتماعية والأعراف الأخلاقية المتعارف عليها ، والتي تنبع من فطرة إنسانية سليمة ، تأنف شريعة الفوضى وما تجلبه من لعنة وفشاد على بني آدم!
إنها حضارة المريصين بالعدم والعبثية ، الذين يحولون الموت في سبيل الخطيئة إلى نضال ، فكل تجاوز بطولة ، طالما أنها لا أخلاقية ، ولا مقدسة ، حتى لو تطلب الأمر تقويض حكمة الطبيعة ، عقوق الأهل ، سب الأديان ، تشويه الأنبياء ، التعامل مع الخالق جل وعلا من منطلق وجهة نظر ،أو من منطق رجعي ، في حين يتم تقديس الشعارات أوالنماذج المصنعة التي ابتكرتها، بالتالي رفعها إلى مرتبة الآلهة أو الأصنام ، فمن لم يقرأ ماركس جاهل ، ومن لا يعرف بيكاسو الخرف أحمق ، ومن لم يخطف لُبَّهُ صرصارُ كافكا المشؤوم ، وحش ، و من لا يربي شواربه على الطريقة الستالينية ليس ثائرا ، أما من يقرأ القرآن ” كتاب السماء ” فمتخلف ، ومن يستشهد بحديث شريف هو متحجر ، ومن يصدق قصة دينية أهبل ، وهكذا دواليك ، حتى تختلط المفاهيم ، و تتشوه المرايا ، و المعايير ، و تنحدر القيم إلى أسفل سافلين ! فماذا بعد ؟
الحروب ، المؤامرات ، والحملات الإعلامية ، تعمل بمنطق البنوك ، فهناك ودائع ، وهناك فوائد ، وهناك أرصدة احتياطية ، و هناك ديون ، و مراهنات ، ومحاصصات ومزادات ومضاربات ،وتعويمات و وغيرها من أساليب بنكية تحتكم إلى نظام ربوي بحت ، ليس على صعيد التعامل الورقي أو المالي فحسب ، بل التداول الالكتروني للتاريخ والحدث ، وهنا مكمن الطامة !
منذ أن ذهب ماكرون لاستقبال آخر رهينة فرنسية في العالم ” مريم بترونين “-صوفي سابقا – والغرب دخل في صدمة فاقت بحجمها صدمة نيكسون في عزها .. فكيف لهذه المرأة التي ولدت وعاشت كاثوليكية لأكثر من سبعين عاما ، أن تغير دينها في أربع سنوات ؟ وهي التي لم ترد أن تعلن إسلامها رهينة ، بل عندما نزلت من الطائرة ترتدي حجابا أبيض ، وترفض مصافحة ماكرون على الملأ وأمام الكاميرات …. يا دي الكسوف !
خطفت هيأتها الأضواء من كسفة ماكرون، التي انتبه إليها العالم لاحقا ، حين أخذ الماكروني يفرغ أحقاده على الإسلام والمسلمين ، بحملة تشويه تمتص انبهار الدنيا بمريم الفرنسية المحمدية !
أنت تعيش في عالم يتحكم بوعيه ، مافيات و عصابات خطيرة تتبنى ذهنية أجداها القراصنة ، ولكنها ترتدي قبعات إفرنجية وربطات عنق راقية ، وتدير الزمن بسبابة الشيطان ! من هنا كان السؤال : كيف يخطف ماكرون الأضواء من مواطنته التي أعلنت عن رغبتها بالعودة لمالي ، ودعوة أهلها للتعرف على الدين الإسلامي وحقيقته التي تم تغييبها ، وتحريفها لقرون ؟؟؟
مع سابق الإصرار وعناده المثابر ، المسألة تتعلق بالمؤامرة التي يجيد العدو منتجتها ، وترتيبها ، عبر سحبه المنظم لرصيده الاحتياطي من الخلايا النائمة التي يدخرها في بنكه الإرهابي ، ليقوم بتفجيرها في الوقت المناسب والمكان المطلوب ، بينما يحول عبدة الغزاة المؤامرة إلى تهمة ، يعيبون بها على من يتبناها ، ليس لأنهم عقلاء ، أو منطقيون ومنهجيون ، وأكثر تحررا من هذه العقدة ، بل لأنهم مصابون بوباء النفاق للغرب ، وبمتلازمة إنكار الحقائق وتغييبها ، عملا بنهج استعماري لا يمل من تحويل التشويه إلى بروباغندا ، والكذب إلى حقيقة وحيدة ، والحقيقة إلى وهم ،يثير السخرية والتهكم ..ويلاه!
(لا تحدث الأحداث العظيمة فجأة ) .. هكذا يقول لك الغرب ، وهو ما اعترف به توني بلير ،في قضية حربه على العراق ، بعدما دافع عنه مريدوه ، إلى أن نشفت أرياقهم ، وهم يقسمون لك و يحلفون على شواربهم المنتوفة ، إنو ما عملها ….فما أن وقعت الواقعة ، حتى خرج توني على الملأ ، يعتذر معترفا ، إنو عملها و نص !
لا تجادلهم بنفاقهم ، لأنهم يعلمون أنك على حق ، ولست مضطرا لكي تبرر وعيك ، أو تثبته لمن يسعى إلى دحضه ، فهذا لا يؤمن حتى بشكوكه ، إنما يحاول التشكيك بيقينك ، ولذلك لا تشكل الحقيقة بالنسبة إليه مشكلة ، بالعكس هي غنيمة ، يحاول اختطافها وإعادة تدويرها ، من ثم تحويلها إلى منتج أقل جودة من الكذبة ، التي يتم تلميعها ، وبهرجتها ، وإضفاء المحسنات الفضائية عليها ، حتى تصبح أكثر قيمة وأغلى ثمنا ، هكذا تبور الأمم يا صاح …و هكذا تنفق كالدواب !
إنه مزاد إعلامي ، أشبه بالتسويق ، الذي يخضع لكل ما يتطلبه السوق من شروط تجارية ، ودعائية ، تدوس تحت أقدامها كل المعايير الأخلاقية في سبيل الإغراءات الترويجية ، والاستهلاكية، بالتالي الربحية !
كيف حدثت الحادثة إذن ؟
حين تكون الجريمة بشعة ، يتفاقم حجم التعاطف مع الذبيحة ، يغيب كل شيء ، ليترسخ مشهد الذبح في التداول الشعبي للخبر ، يصبح النبي أداة من ادوات الجريمة ، ومن تعدى على النبي ضحية ، والمتطرف تهديدا أمنيا خطيرا على الحضارة !
هذا بالتحديد ما يحتاجه هؤلاء لإنتاج مسرحية ، يتهافت على حضورها العالم بأسره ! ويقع تحت تأثيرها النخب قبل الشعبويين … وتغيب عن المشهد كسفة ماكرون !
بالصدفة في هذا التوقيت المريمي بالذات ، يهدرون دم سمائك ؟ يا عمي مجنون يحكي ، وعاقل يغلق أذنيه …
لا تدافع عن دينك ، إياك !
إياك أن تدخل في خانة الدفاع ، فهذا سقوط وضعف و تراجع مهين في الصفوف ، كف عن التبرير ، ونفض ما علق بقناعك من شوائب ، لا تحاول أن تجمل صورتك أمام غزاتك ، لأن المسألة لا تتعلق بالحقيقة ، فالحقيقة لم تعد مهمة ، ولا هي ببال أحد ، ما يهم العالم هو أن تتكرس الأكاذيب ، وعليك أن تخرج من غرفة التجميل ، الذي يحُصر المسلم فيها لإثبات العكس …هذه خانة الكسالى و الجبناء ، و المنافقين ..
الغرب ليس ربا لهذه الأرض ، حتى تقضي عمرك بتحسين صورتك أمامه ، أصلا صورتك ليست ملكا لك ، إنها في معمل التحميض الخاص بالغزاة ، والحق مش عليهم ، بل عليك ، أنك ترقيت من منزلة المَغْبون إلى منزلة الزبون !
هناك حدث ، هز الغرب : إسلام الرهينة الفرنسية ، التي ترى في السجود ارتقاء ساميا للأعالي ، وفي برج أيفل علوا مرتدا نحو الدرك الأسفل ، بلا معنى ولاروح ، فكيف تصرف ماكرون لمواجهة هذا المأزق الحضاري الذي وقع فيه؟
لقد حشد كل ما في جعبته من شعارات نارية ومدججة بالمعايير المنحلة ، فلحرية أهم من الأحرار ، والخطيئة أكثر قداسة من الأخلاق ، و الشعار أهم من الفرد ، و الدعاية أهم من الحدث ، و المجرم أشرف من النبي ، فماذا ثم ماذا بعد؟
هناك حضارات تتواضع وتحني جبهاتها للعلي الأعلى ، سموا ، وهناك حضارات تتسلق فوق حجارة بنيانها ، تتشبث بحبال الهواء ، ليكون سقوطها مدويا !
حسنا إذن ، رما كنا أمة عربية محظوظة ، لأن الإسلام انتشر في بلدان غير عربية ، أجدر بديننا منا ، وأحرص عليه … إنها بلاد يتدفق في عروقها دم فاتحيها لا عملائها ، دم شهدائها قبل خلفائها ، تعرفون لماذا ؟
لأن الشعوب العظيمة تحظى بقادة يليقون بها ، والشعوب المتخاذلة ، لا تستحق إلا قادة مخذولة .
أقول اليوم لأردوغان – ولي ضده ما لي ، وعليه ما عليه – أنه أثبت وبجدارة أن من يُدافع عن أشرف الخَلق ، شريفُ الخُلق ، ومن يستبسل في سبيل أعظم الرجال ، رجل عظيم ، ومن يواجه العالم العتي ، بإيمانه وحده ، هو أكبر من زمنه ومن عالمه .
أما العرب المُستغربون أو العرب الغاربة ، فدعم يشعرون بالخجل من الفارق اللغوي لا الأدائي – بين الغزو والاستعمار ، دعهم يرثون غزاتهم لا أنبياءهم ، حتى يسيروا في ركب الحضارة كقوافل الرقيق ، دعهم يتبنون أفكار أعدائهم ليحموا نفاقهم ، في عملية إحياء لنظام القنانة الفضائية في عصر التراشق بالصيصان الالكترونية…..ولن أكتفي !